من يتولى دفة القيادة وعيك أم مشاعرك؟
بقلم / رنا فضل السباعي
مدربة حياة / CPLC Life Coach
” عند التعامل مع الناس، تذكر أنك لا تتعامل مع مخلوقات منطقية وإنما مخلوقات عاطفية”.
إذا كان هذا ما أعتقده وكتبه ديل كارنيجي وغيره الكثيرين ممن تناولوا الحديث عن الجانب العاطفي في النفس البشرية، ودوره الذي يطغى على الجوانب الأخرى في التعامل مع الآخرين ومع الحياة، فماذا عـن التعامل مع الذات؟ أي جانب ما بين العاطفي أو المنطقي هو الذي يتسلم زمام الأمر لنصف به العلاقة معها؟ والأساس الذي تبنى عليه قراراتنا ويتشكل واقعنا ، هل هي العاطفة أم المنطق أم الأثنين معًا؟
إن الإجابة البسيطة عن كل تلك التساؤلات لا تستدعي أكثر من أن نستذكر الأسلوب الذي ننتهجه إزاء الأوضاع، المواقف والقرارات في حياتنا ، والأثر اللاحق الذي يحدثه في نفوسنا . هل هو أسلوب قوامه التريث والتعقل ريثما نتمكن من الإحاطة بالعناصر اللازمة لإستيضاح الفكرة ، مع بقاء المشاعر في حالة من الإتزان ؟ أم أنه أسلوب تلقائي – إيجابيًا كان أم سلبيًا- لا يحتاج الى أكثر من إستحضار الحدس للحكم والإحساس للتوكيد ، فتتقدم العواطف المشهد وتكون هي اللاعب الأبرز؟
في واقع الأمر ، أن تتمكن من التعرف على حقيقة ذلك الأسلوب وتمنحه هويته ، تلك هي أولى خطوات الوعي بمن يتسلم دفة القيادة في حياتك هل هي مشاعرك ، عقلك أم أنت بكلتاهما معًا.
لا أحد ينكر أن العاطفة ، هي التي تحقق ترابطنا الحسي مع الحياة ومع الآخرين وبمقتضى ما تختزنه من أنواع الأحاسيس المختلفة ، نستطيع أن ندرك بالشعور ماذا نحب ، ماذا نكره ، مما نخاف، مما نقلق، وأن نندفع نحو ما يستميلنا ، أن نكتشف أين يكمن شغفنا ، فنمضي للسعي والتعلم بمحفز رئيسي قوامه العاطفة وهو ما عبر عنه أفلاطون حينما قال : ” كل التعلم له أساس عاطفي” . إلا أن العاطفة بكل حالاتها لا يمكن أن تُترك دون لجام يمسكها وإلإ قادتنا الى دورب بعيدة جدًا قد لا نستطيع العودة منها الى حيث – بالعقل والمنطق- يجب أن نكون ، إلا بألم غالبًا ما يترافق مع ندم ، هذا طبعًا إن لم يكن طريق العودة بسبب العاطفة المتفلتة من عقالها قد بات مستحيلًا.
لجام العاطفة هو التعرف عليها والعمل على إكتساب مهارة الذكاء العاطفي في التعامل معها ، وهي المهارة التي عرفها دانييل غولمان (صاحب مفهوم الذكاء العاطفي) في كتابه ” أنه المقدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين ، من أجل تحفيز أنفسنا وإدارة عواطفنا بشكل جيد مع أنفسنا وفي علاقاتنا”.
وكي يبنى على الشيء مقتضاه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه ، كيف بمقدورك أن تتعامل بفعالية مع شيء لا تدرك أصلاً ماهيته وما هي حقيقته ؟ أي كيف لك أن تتعامل مع عواطفك وتتمكن من أن تتحكم بقيادتها إن لم تكن أولًا متعرفًا عليها ، وعلى حجم تأثيرها ؟
إن قيادة الذات بالشكل الإيجابي والفعال ، والقدرة على التحكم بالمشاعر بالقدر الذي يبقيها تحت مظلة السيطرة ، يحتاج أولًا وقبل أي شيء آخر الى الوعي بقيمنا الجوهرية (Core Values) ، وهي القيم التي يعتبرها كل منا أساسية في حياته وتشكل بوصلة خياراته ومساراته في الحياة ، بحيث أن كل واقع نعمل عليه ، أو يحدث لنا ويأتي متوافقًا مع تلك القيم ، من شأنه أن يخلق فينا تدفقًا (Flow) فكريًا وعاطفيًا تتجسد أهم تأثيراته في الإحساس بالإنسجام ما بين الداخل (القيم) والخارج (الخيارات والمواقف والأحداث) .
وعلى نحو معاكس، فإن المشاعر التي تعترينا سلبًا وتحدث الخلل في التوازن الذي نعيشه بين الإنسجام الخارجي والسلام الداخلي ، إنما تتولد بالأساس ومن حيث الجذور بسبب حدوث ما يتضارب والقيم التي نحيا بها ، هذا التضارب يكون بمثابة الإهتزاز الذي يطال إستقرار كياننا الوجداني محيدًا به عن مساره المتسق الى طريق لا تلحظها خريطة قيمنا الأساسية، فنشعر من جهة بغربة عن النفس ومن جهة أخرى بعدم إنتماء الى الواقع.
أن نكون مدركين بشكل واضح للقيم التي تهمنا في حياتنا ودرجة أهميتها في الأولوية ، يعني أن نمتلك مرجعًا نستنير به لنتقدم نحو الأمام بثقة أكبر فنختار – بأقصى قدر تتيحه معطيات الحياة وظروفها- ما هو المتناسب مع قيمنا ونتجنب ما هو المتعارض معها ، وهو النهج الذي يضع المشاعر تحت مجهر تلك القيم من حيث الوعي بها عند إحساسها ومعرفة أن سببها هو في الأغلب المساس بمنظومة القيم الخاصة بكل منا . ومتى ما تحقق الوعي وتوافرت المعرفة ، تكون الرؤية أوضح والمقدرة على التحكم أوثق ، فنبقى نحن بقوة العقل وبإتزان العاطفة قادرين على تولي دفة القيادة نحو بر الأهداف ، ولا تنافسنا على هذا الدور أي معوقات من المشاعر مهما بلغت قوتها.