يتردد مصطلح متلازمة ستوكهولم على مسامعنا بين الحين والآخر ويكون مرتبطًا دائمًا بعبارة “الضحية تحب جلادها” أو “القط يحب خناقه” كما يتجسد في المسلسلات والأعمال السينمائية، فهل متلازمة ستوكهولم حقيقية؟ ولماذا سميت بهذا الاسم وما هي أعراض متلازمة ستوكهولم وأسبابها وأغرب العلامات الدالة عليها؟ تفاصيل كثيرة نكتشفها سويًا خلال سطور هذا المقال، فكونوا معنا.
ما هي متلازمة ستوكهولم ؟
تُعرف متلازمة ستوكهولم “Stockholm syndrome” بأنها حالة استجابة نفسية تستجيب فيها الضحية مع الجاني أو الشخص المعتدي عليها، مُكونة تجاهه مشاعر إيجابية بدلًا من مشاعر الغضب والنفور والخوف.
وتُصنف هذه المتلازمة كواحدة من اضطرابات الصحة النفسية التي يتبعها مجموعة من السلوكيات والأعراض المعقدة وغير المفهومة.
وتنشأ متلازمة ستوكهولم خلال عمليات الخطف أو الاحتجاز حيث تتعاطف الرهينة مع الجاني الذي يقوم بتعذيبها وتهديدها ثم يُفضل الإبقاء على حياتها ويعزف عن قتلها.
وهنا يفسر علماء النفس تعاطف الرهينة أو الضحية مع الخاطف أو الشخص الجاني بمتلازمة ستوكهولم أو كما يُعرف باسم الضحية التي تعشق جلادها.
قصة متلازمة ستوكهولم ولماذا سُميت بهذا الاسم؟
قصه متلازمة ستوكهولم لها حكاية شهيرة بدأت منذ ما يقرب من 50 عامًا وبالتحديد في أغسطس 1973م.
عندما قامت جماعة مسلحة من اللصوص بعملية استيلاء وسطو على أحد البنوك في مدينة ستوكهولم بالسويد والحصول على مبالغ مالية ضخمة ولكنهم لم يتمكنوا من الهرب حيث وصلت الشرطة إلى البنك وحاصرتهم قبل الهروب.
لذلك قام اللصوص باحتجاز مجموعة من موظفي البنك كرهائن بغرض النجاة من الشرطة والإفلات منها عن طريق التهديد بقتل الرهائن أو الضحايا.
واستمرت عملية احتجاز اللصوص للرهائن داخل البنك أكثر من 6 أيام، وظلت الشرطة خلال تلك الفترة تحاصر البنك من جميع المداخل والمخارج حتى لا يتمكن اللصوص من الهرب.
وعندما أيقن اللصوص أنه لا جدوى من احتجازهم للرهائن قاموا بتسليم أنفسهم إلى الشرطة، لكن المفاجأة والشيء الغريب الذي ادهش جميع أفراد الشرطة هو تعاطف الرهائن مع اللصوص.
حيث رفض جميع المختطفين الإدلاء بشهاداتهم أمام القاضي ضد اللصوص في المحكمة كما تحدثوا عنهم بطريقة جيدة والأغرب من ذلك أنهم قاموا بإطلاق حملة لجمع التبرعات لأولئك اللصوص كما طالبوا قضاة المحكمة بالإفراج الفوري عنهم.
وهنا قامت المحكمة باستدعاء خبير من خبراء وأطباء الصحة النفسية وعلم الجريمة وهو الطبيب “نيلس بيجيروت” لتفسير هذه الظاهرة الغريبة، والذي قام بتفسيرها على أنها مجموعة أعراض تمثل استجابة نفسية كوسيلة للدفاع عن النفس أو التعاطف مع الجاني بغرض الهروب من إيذائه والتخفيف من العنف الواقع على الضحية.
وأطلق “نيلس بيجيروت” على هذه الأعراض اسم متلازمة ستوكهولم بناء على هذه الواقعة التي حدثت منذ أكثر من 50 عامًا في السويد بمدينة ستوكهولم.
الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة ستوكهولم
يعتبر الأشخاص العالقين والمضطرين للتعايش مع أشخاص أقوى منهم جسديًا ونفسيًا وأكثر سلطة ونفوذ هم الفئات الأكثر عرضة للإصابة بهذه المتلازمة.
ويلاحظ أن الأطفال الذين يتعرضون للتعدي عليهم والإساءة والتعنيف أو الكبت المتكرر من تلك الفئات الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة ستوكهولم.
إلى جانب ذلك هناك نسبة كبيرة من النساء معرضة أيضًا للإصابة بمتلازمة ستوكهولم إذ يحدث ذلك عن طريق العنف المنزلي أو عنف الأزواج تجاه زوجاتهم.
لماذا تتعاطف الضحية مع الجاني أو الجلاد؟
يفسر المختصين في مجال الصحة النفسية تعاطف الضحية مع الجلاد أو الجاني على أنها آلية للبقاء أو وسيلة لتخفيف العنف الواقع من قِبل المعتدي، حيث تعتقد الضحية أن الاستجابة لأوامر الجاني ومتطلباته سوف يحميها من العنف أو القتل ويحفظ لها حياتها.
فعندما يقوم الجاني بتهديد الضحية سواء بالقتل أو التعذيب أو الايذاء النفسي أو البدني فإن مستوى الذعر والخوف لدى الضحية يرتفع إلى أعلى درجة حيث تخشى حدوث هذا التهديد.
وعندما يتراجع الجاني عن تهديده فجأة وبكامل إرادته، يحدث نوع من الراحة للضحية، وينخفض مستوى التوتر لديها لأدنى درجة، بل وتشعر بالامتنان والتعاطف تجاه الجاني الذي تفضل عليها وتكرم بعدم تنفيذه لتهديده السابق.
وهنا تتولد مشاعر ايجابية لدى الضحية تجاه الجاني أو الشخص المعتدي عليها، حيث تفكر في قرارة نفسها قائلة: لولا رحمة ذلك الجاني ورأفته لكنت ميتة الآن أو قتيلة”.
هل صدقت السينما وكذب علم النفس؟ وهل وقعت طاهرة في غرام جلادها؟
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة فجرًا عندما قامت تلك الفتاة النقية، التقية “طاهرة” لتتوضأ وتتهيأ لصلاة الفجر، فإذا بها تتفاجئ بـ رجل غريب، عريض المنكبين، صارم الوجه، مصوبًا مُسدَّسه نحو رأسها.
تحاول “طاهرة” أن تصرخ لطلب النجدة لكن دون جدوى، إذ يمنعها “مصطفى” بالقوة من الدفاع عن نفسها، ذلك اللص الذي لجأ إلى منزلها هربًا من الشرطة التي تطارده بسبب سرقته لأحد متاجر المجوهرات.
يظل “مصطفى” اللص الجلاد مختبئًا في منزل “طاهرة” الضحية التي احتجزها ومنعها من الخروج أو الدخول.
تحاول “طاهرة” طوال فترة الاحتجاز أن تتعامل مع “مصطفى” بشيء من اللين والهدوء تجنبًا لأي اعتداء أو رد فعل قد يؤذيها.
تحاول أيضًا هدايته ونصحه بإعادة المسروقات إلى أصحابها والابتعاد عن طريق الحرام وهنا تتولد علاقة عاطفية بينهما لدرجة تجعل الضحية ترفض الإبلاغ عن اللص، وتساعده على الهرب بل وتدخل السجن أيضًا بدلًا منه.
هكذا قدمت لنا السينما المصرية منذ أكثر من 60 عامًا فيلم طاهرة- Tahra Movie من بطولة الفنانة مريم فخر الدين (طاهرة) والفنان محمود إسماعيل (مصطفى).
حيث تم تسليط الضوء عبر أحداث هذا الفيلم على متلازمة ستوكهولم Stockholm syndrome قبل أن يعرف الغرب لها تفسير أو توصيف، كما أظهرت قصة الفيلم نشأة العلاقة العاطفية بين الضحية وجلادها، وكيف قامت بالتضحية بنفسها في سبيل حمايته والدفاع عنه.
فهل صدقت السينما إذًا وكذب علم النفس؟ في الحقيقة الإجابة هي لا، لم يكذب علم النفس لأن العلاقة العاطفية التي تتولد بين الضحية والجلاد لا تعتبر حب كما تظهرها الأعمال السينمائية وإنما هي علاقة دفاعية، تدافع خلالها الضحية عن نفسها متخذة هذا الدور لتجنب العدوان أو الإيذاء النفسي أو البدني.
ليس حبًا وإنما محاولة للبقاء
وعلى الرغم من أن الكثير من الأعمال السينمائية قد ناقشت قصة متلازمة ستوكهولم وحاولت معالجتها دراميًا لتُظهر للمشاهدين أن متلازمة ستوكهولم في الحب أمر حقيقي إلا أن علماء النفس يؤكدون أن العلاقة العاطفية التي تجمع بين الضحية وجلادها ليست حبًا وإنما محاولة للبقاء فقط.
ويوضح الطبيب والباحث في علم النفس “كريستوفر رام” أن تلك العلاقة ما هي إلا آلية نفسية تدافع بها الضحية عن نفسها مما يسمح لها بخفض مستوى التوتر والذعر والقلق من ذلك الموقف الصادم أو الحادث المؤلم الذي تعرضت له.
متلازمة ستوكهولم في الزواج
تنشأ متلازمة ستوكهولم في الزواج وقد تعاني منها كثير من السيدات خلال علاقاتهنّ الأسرية عندما يتم اضطهادهنّ من قِبل أزواجهنّ عن طريق التحكم والنفوذ المفرط تجاههنّ.
إذ يتعرضنّ لأحد أشكال العنف أو كلها سواء كان عنف بدني أو نفسي أو سلوك سلبي وغير سوي يؤدي إلى الشعور بالخوف الشديد ومن ثم التعايش أو محاولة الاستسلام وتبرير موقف الجاني أو الزوج المُضطهِد.
وعلى الرغم من وجود إشارات حمراء عديدة تشير إلى علاقة سامة وغريبة إلا أن كثير من النساء ينكرنّ الواقع ويفضلنّ الانخراط في هذه العلاقة والتعاطف مع شريك الحياة كنوع من الرعاية والحفاظ على الأسرة وعش الزوجية رغم كونه بيئة غير صحية، سوف تؤثر على حياتها بوجه عام وصحتها النفسية بوجه خاص.
قد يهمك: هل المرض النفسي بيأثر على الجواز؟
أسباب متلازمة ستوكهولم
تعزى أسباب هذه المتلازمة إلى مجموعة من العوامل النفسية منها ما يلي:
- الشعور بالضعف تجاه السلطة والنفوذ والأشخاص الأقوياء.
- الاعتقاد بأن الاستجابة والخضوع للجاني نوع من الحماية والهروب من الإيذاء البدني أو النفسي.
- العجز وقلة الحيلة تجاه الجاني أو الجلاد سواء في العلاقات العائلية أو المهنية أو خلال التعرض للحوادث مثل عمليات الاحتجاز والاختطاف.
أعراض متلازمة ستوكهولم الغريبة
تتضمن هذه المتلازمة عدد من الأعراض والعلامات الأكثر غرابة والتي تعتبر محيرة للجميع مثل نشأة علاقة إيجابية بين الضحية والجاني قد تتطور إلى حد دفاع الضحية عن خاطفها أو المعتدي عليها وحمايته بشتى الطرق.
كما تشمل الأعراض رفض الضحايا أو المصابين بهذه المتلازمة لأي مساعدة خارجية أو محاولة لإنقاذهم حيث يعتقدون أن تلك المحاولة سوف تهدد علاقاتهم الطيبة مع الجاني الكريم الذي أبقى على حياتهم وكان في إمكانه أن يقتلهم ويجعلهم في تعداد الموتى.
إضافة إلى ذلك يحاول ضحايا المتلازمة إنكار أو إخفاء المواقف السلبية التي قام بها الجلاد أو الجاني ضدهم بغرض إنقاذه من العقوبة كما يقومون بتبرير أفعاله وإيجاد الأعذار له.
وهو ما حدث في تلك الواقعة الشهيرة عندما رفض ضحايا الاختطاف الشهادة أمام القاضي ضد مختطفيهم مما أدهش الجميع وجعلهم في حيرة كبيرة.
متلازمة ستوكهولم في الحب
العديد من المسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية الأجنبية والعربية قدمت قصة متلازمة ستوكهولم في الحب كواحدة من الحبكات والحكايات المثيرة لإثبات وقوع الضحية في غرام جلادها.
ومن بين تلك الأعمال المُقدمة في هذا الصدد مسلسل “كلارك” المعروض عام 2022 والذي أنتجته شركة ومنصة “نتفليكس” وتم عرضه من خلال شاشتها، وكذلك الفيلم الأمريكي King” Kong” المعروض سنة 2005م.
نماذج لضحايا متلازمة ستوكهولم
يقع الكثيرون وضحايا لهذه المتلازمة حيث ينبع لديهم ارتباط عاطفي مع الجُناة أو الخاطفين ويمكن اعتبار الفئات التالية من أهم النماذج لضحايا متلازمة ستوكهولم أو Stockholm syndrome:
- الزوجات اللواتي يتعرضنّ للعنف والاضطهاد.
- السجناء والمحكومين داخل المعتقلات السياسية.
- الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء عليهم.
- المخطوفين والأسرى.
- الموظفين المضطهدين من قبل المدراء أو رؤسائهم في العمل.
- الأبناء المعتدى عليهم من قبل الوالدين أو الوالدين المعتدى عليهم من قبل الأبناء.
- اقرأ أيضًا: 4 علامات بتأكدلك إنك في علاقة مؤذية Toxicا
علاج متلازمة ستوكهولم
قد تستمر المعلم من أعراض هذه المتلازمة لعدة أشهر وربما سنوات ويرجع السبب في ذلك إلى تجاهل الضحية لعلامات الإنذار ومحاولتها لتبرير أفعال الجاني أو الجلاد.
ولذلك تعتبر التوعية اهم خطوه للعلاج حيث يقوم الطبيب او المعالج النفسي بتوعية الضحية بما يحدث لها من ضرر نفسي أو بدني.
كما تقدم الجلسات لضحايا هذه المتلازمة حيث يجتمعون مع المختصين في الصحة النفسية، والاستشاريين النفسيين الذين يقومون بدعم الضحايا نفسيًا وتعزيز قدراتهم على مواجهات والمواقف الصعبة والتحديات.
كما يتضمن علاج متلازمة ستوكهولم مجموعة من الاستراتيجيات للتخلص من التبعية وتقليل اعتماد الضحايا على الآخرين وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.